أولويات بري في الكويت مختلفة: الشكر والدعم وبعث الروح البرلمانية

مشاركة:

بخلاف »الاولوية التحريضية« التي طرحها »مسؤول لبناني« في زيارته قبل فترة الى الكويت،

حمل الرئيس نبيه بري، الى »الشقيق الكويتي«، كما يصفه رئيس المجلس، جملة اولويات، صبّت كلها في اتجاه لمّ الشمل من داخل لبنان اولا، وعلى امتداد كل العرب ثانيا، فكما لبنان مريض بوحدته، فكذلك العرب مرضى بتضامنهم وعلاقاتهم!

المسؤول اللبناني المذكور، رمى »اولويته« تلك، امام بعض كبار المسؤولين في دولة الكويت، وحوّل »اللقاء الرسمي« الذي اتيح له، الى مجال لعرض خارطة، »فرشها« على الطاولة امام عيني المضيف، وصار يؤشر فيها الى مساحة انتشار »شبكة اتصالات حزب الله«، والتي فردتها خارطة المسؤول اللبناني على مساحة تمتد من بيروت الى الجنوب، الى الجبل، الى البقاع والى دمشق وايران ايضا!

فوجئ المضيف الكويتي بهذا العرض، وفوجئ اكثر بطلب المسؤول اللبناني ان تتضامن الكويت مع لبنان وتترجم تضامنها هذا بالدخول في جبهة الضغط على سوريا، بذريعة انها تعطل الحلول في لبنان، وانها ، اي سوريا، تهدف في كل ادائها وسياستها تجاه لبنان الى تعطيل المحكمة الدولية.

لم يقف المضيف الكويتي عند »الخارطة«، ورفض بتهذيب الانضمام الى تلك الجبهة ضد سوريا، على قاعدة ان الكويت مع كل ما يقرّب المسافات بين الاشقاء وليست مع ما يمكن ان يزيد فراقهم وتشتتهم. الا انه في موضوع المحكمة، بدا وكأنه يطلب الى ضيفه بأن يتم خلع قميص المحكمة الدولية والتذرع بها، عندما فاجأه بقول مفاده: نحن نعرف وانتم تعرفون، ان هذه المحكمة انشأتها الولايات المتحدة الاميركية، ولو شاءت اميركا ان تمشي المحكمة، فستمشي المحكمة، وان لم ترد ذلك، فلن تمشي…«. يقول صاحب الرواية الموثوقة« ان هذا الكلام نزل على المسؤول اللبناني ماء باردا جدا.

اما بالامس، فكان المسؤولون الكويتيون، وقد لاحظوا ذلك امام اولويات لبنانية من نوع آخر، طرحها الرئيس بري، ممهدا لها بعرض شامل للواقع اللبناني الداخلي، وما استجد، ارتكازا على اتفاق الدوحة، وانتخاب رئيس جديد في لبنان، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وسلوك لبنان طريق الاستقرار السياسي بالمصالحات بين الفرقاء اللبنانيين، وصولا الى ما سماه، الدخول في مرحلة الاستقرار الامني، ولاسيما بعد التطورات الاخيرة وكشف الشبكات الامنية والقاء القبض على افرادها:

أولى هذه الاولويات، شكر الكويت على ما قدمته للبنان في شتى المجالات، وعلى وجه الخصوص لازالة اثار العدوان الاسرائيلي.

ثانية هذ الاولويات طلب المساعدة المباشرة من الكويت للبنان، في ازالة »الاحتلال الكامن تحت الارض« المتمثل بالالغام الاسرائيلية والقنابل العنقودية التي تزيد عن مليوني قنبلة عنقودية من مخلفات حرب تموز ،٢٠٠٦ والتي تجعل من مصير المواطنين وخصوصا في جنوب لبنان تحت ضغط التهديد الدائم.

ثالثتها: طلب دعم لبنان في مجال ترسيخ السلام اللبناني.

رابعتها: التنبيه الى خطورة استمرار التباعد العربي، وغياب التضامن العربي، وغياب التنسيق العربي، حتى حول البديهيات، وحتى حول الحد الأدنى من المصالح المشتركة، والتاكيد على ان الوضع العربي المريض ليس في مصلحة لبنان، ولا في مصلحة الكويت، ولا في مصلحة اي دولة، واكثر من ذلك، يشكل ضررا فادحا وقاتلا للقضية الفلسطينية.

خامسة هذه الاولويات: محاولة التأسيس لإعادة بعث الروح في العلاقات البرلمانية بين دول الاتحاد البرلماني العربي، وخصوصا في ظل الازمات الراهنة، وعلى مستوى العلاقات العربية العربية، وايضا في ظل الازمة الدولية الكبرى الناشئة عن الانهيار المالي.

الموقف الكويتي، ازاء هذه الاولويات كان ابعد من متجاوب في مجال تاكيد واجب الكويت في مد يد العون للبنان. وكان متطابقا في الموضوع العربي، وضرورة احياء التضامن. واما على المستوى اللبناني، فعبر المسؤولون الكويتيون عن بالغ ارتياحهم حيال الوضع الداخلي، والخطوات التوافقية التي تمت، مع التأكيد على وحدة لبنان وتلاقي اللبنانيين، وان الكويت تدعم بقوة كل ما يرسّخ هذه الوحدة وهذا التلاقي. الا ان ما لفت في الموقف الكويتي امران:

الاول: الاهتمام البالغ حيال العلاقة اللبنانية السورية، وضرورة ترسيخها، والترحيب بالتطور الذي ساد حول هذا الامر (العلاقات الدبلوماسية) مع التشديد على ان الكويت تريد افضل العلاقات اللبنانية السورية.

الثاني: الاشارة المعبرة التي اطلقها رئيس مجلس الامة الكويتي جاسم الخرافي في اتجاه المقاومة في لبنان، حينما توجه بالتهنئة للبنان على الخطوات السياسية التي تمت فيه، ودخول مرحلة الاستقرار والهدوء، وحرص على ابراز دور المقاومة في حفظ كرامة العرب، من خلال قوله: …كل الشعوب العربية، من دون استثناء، كانت (في موضوع الصراع العربي الاسرائيلي، وفي حرب تموز ٢٠٠٦) محبطة ، وتتألم. وكانت ترى الاوضاع الى مزيد من السوء. ولكن ظهرت المقاومة اللبنانية، وكانت الوحيدة التي استطاعت ان ترجع الكرامة للعرب، وفي ايقاف هذه العربدة الاسرائيلية، كدنا نصل الى مرحلة الاحباط، لكن عندما نرى هذه المقاومة في بلد صغير مثل لبنان استطاعت ان توقف جبروت اسرائيل ومن معها من الدول في حرب تموز، كان لنا مجال لأن نشعر بالفخر والاعتزاز…

اللقاءات

لقاءات بري في اليوم الاول لزيارته الرسمية الى الكويت، شملت ولي العهد الشيخ نواف الاحمد الصباح، ورئيس مجلس الوزارء الشيخ ناصر المحمد الصباح ونظيره الكويتي رئيس مجلس الامة جاسم الخرافي.

في بداية اللقاء مع الخرافي، ركز بري على ان اللبنانيين لا ينسون فضل الكويت، خاصة في موضوع ازالة اثار العدوان الاسرائيلي المتمادي، لأن الكويت لم تتوقف عن دعمها للبنان عامة وللجنوب خاصة.

وتوقف بري عند وضع الحكومات والانظمة العربية، ملاحظا عدم التقائها، وعدم تناغمها وعدم تنسيقها في ما بينها، بالرغم من كل الظروف القاتمة، ومن كل المتغيرات السياسية، وبالرغم من الوضع المالي الخطير، الانهيار المالي الذي اسميه »١١سبتمبر مالي«، او التسونامي المالي. الا انه سأل »اين البرلمانات العربية وسط هذا الوضع«؟ واجاب: انني ارى عدم فعالية البرلمانات في التأثير على الحكومات، وعلى صعيد عدم تضامنها مع بعضها البعض.

وتناول بري باستياء ما آل اليه البرلمان العربي، وقال: لقد جاهدت كثيرا خلال ترؤسي الاتحاد البرلماني العربي لكي يتم انشاء البرلمان العربي، ظنا منا انه سيكون اطارا شبيها بالبرلمان الاوروبي، وانه سيطرح افاق لمراقبة جامعة الدول العربية والعمل العربي المشترك، ولم نتصور يوما ان يصبح البرلمان العربي، وكأنه »دائرة« من دوائر الجامعة العربية. ما آل اليه الحال في هذا المجال، اننا اخترعنا برلمانا اضافيا الى جانب البرلمانات القائمة، يعمل بذات الوتيرة التي تعمل بها، ولذلك، فإن البرلمان اللبناني انسحب من البرلمان العربي، الى ان يتم اصلاح وضع البرلمان العربي. نحن لا نريد برلمانا اضافيا.

واشار بري الى نمط جديد يسود البرلمان العربي، يقضي بالابقاء على عضوية بعض الاعضاء ويستمرون ضمن اطار البرلمان، حتى ولو لم يعودوا نوابا في دولهم، ان هذا امر خطير للغاية. فعندما نلجأ الى التمديد في هذا البرلمان، معنى ذلك ان البرلمان العربي قد انتهى. وشدد بري على ان يكون موضوع البرلمان العربي بندا اساسيا في الدورة المقبلة للاتحاد البرلماني العربي في سلطنة عمان، داعيا الى ان يتم التركيز في هذه الدورة على حضور رؤساء البرلمانات لكي يصار الى حسم هذا الموضوع. فلا يجوز ان يترك الامر على غاربه.

وتناول بري موضوع الازمة المالية العالمية وتراجع اسعار النفط، مبديا قلقه من ان يرتد ذلك بتداعيات سلبية حتى على الدول النفطية، الا انه سأل: هل هذه الازمة بريئة، وهل يا ترى هي مؤامرة على الدول النامية، كالصين مثلا، وعلى الدول التي هي في طريق النمو في الشرق الاوسط مثلا، واكثر من ذلك، لماذا لم يتم فتح تحقيق بسبب الانهيار لا في اميركا ولا في غير اميركا… وفي اسباب ازمة اطاحت بثلث ثروات العالم، حتى الآن لم اسمع ان تحقيقا قد فتح، هذا دليل على ان وراء الاكمة ما وراءها.

وخلص بري الى القول: انني احاول ان انشئ جسرا بين البرلمانين اللبناني والكويتي، لنقود هذه الحملة داخل برلماناتنا، وبالتالي ندفع حكوماتنا في اتجاه التنسيق اقتصاديا، او سياسيا، وحول اي تفصيل يتصل بالمصلحة المشتركة.

ورد الخرافي مخاطبا بري: لولا حماستكم ولولا دوركم لما ظهر البرلمان العربي. ثم المح الى انه كان يتمنى لو ان بري استمر على رأس البرلمان وقال: برغم رغبتنا في ان تستمر، تركت…

وانتقد وضع الجامعة العربية، وقال انها اصبحت كتحصيل حاصل، ومكانا لعدم اتخاذ القرار، فقط دورها ايجاد الشكل. واما لقاءات قادتنا، فأصبحت لقاءات شكلية، والبيان الختامي جاهز قبل ذلك، اصبح وجودهم شكليا من باب التواجد فقط.

اضاف: كل الشعوب العربية محبطة، نتيجة التناقضات القائمة، والمطلوب منا كبرلمانيين العمل والجهد في سبيل لم الشمل البرلماني، والجهد الكبير يجب ان ينصب لاعادة هيكلة مؤسسات الجامعة العربية، التي يبدو انها انشئت لملء فراغات ولتعيينات سياسية.