آخر حروب بوش، من برويز مشرف إلى… جبران باسيل

مشاركة:

يلاحظ أحد المراقبين أن ثلاث حروب «تفكيكية»، تمثّل آخر الأوراق في أجندة الإدارة الأميركية «الخارجية»، وفي ما بقي لها من أسابيع تنفيّذية.

غير أن الجهد المبذول فيها، رغم دخول واشنطن في زمن الانتقال الرئاسي، يوحي بأن الحروب الثلاث المذكورة، تمثل الإرث الأخير، الذي يحاول بوش تحميله لأوباما.

في الحرب الأولى، المطلوب أميركياً فك باكستان عن أفغانستان. وفي الثانية، المطلوب فك سوريا عن إيران، وفي الثالثة المطلوب فك ميشال عون عن «حزب الله».

وسريعاً ما يلاحظ المراقب، أن الانفكاكات الثلاثة المطلوبة، مرتبطة مباشرة، بالحروب الثلاث التي خاضتها إدارة بوش منذ ستة أعوام، وحتى اليوم، ومرتبطة مباشرة بالإخفاقات الكبرى الثلاثة التي مُنيت بها هذه الإدارة، ولا تزال حتى اليوم.

ففك باكستان عن أفغانستان والمرتبط بحرب بوش على بن لادن، يمثّل آخر ورقة أميركية، للحؤول دون عودة طالبان إلى حكم كابول، ودون تحول حميد قرضاوي نموذجاً مكرراً لرئيس فيتنام الجنوبية نغوين فغن تيو، الهارب مع جنود أميركا من سايغون.

كما أن محاولة فك سوريا عن إيران، والمرتبطة مباشرة بالحرب الأميركية على العراق، تبدو أيضاً آخر الأوراق التي تستنفدها واشنطن، للخروج من مستنقع بغداد بالحد الأدنى من ماء الوجه، والمحاولة نفسها، تعدّها واشنطن ضرورية على ما يبدو، من أجل إتاحة المجال لدبلوماسيتها في مقاربة طهران، من دون أن تكون الأخيرة قادرة على فرض أجندتها الخاصة على أي كلام أميركي ـــ إيراني، وهي الأجندة الممتدة راهناً، من كابول حتى غزة، مروراً ببغداد ودمشق وبيروت، نتيجة الجسر السوري ـــ الإيراني، كما تحسب واشنطن وتعتقد.

أما الانفكاك الثالث، لعون عن نصر الله، فمرتبط أيضاً، بحرب أميركية مباشرة وغير مباشرة. ألا وهي حرب تموز 2006 على لبنان، والحرب المتمادية في تاريخ المنطقة المعاصر، لوجود إسرائيل وبقائها.

فالنظرية الأميركية، والمستوردة أصلاً من تنظيرات بعض «الأرزيين ـــــ الآذاريين» في بيروت، تقول إن تفاهم عون مع نصر الله، هو الشريان الوحيد الذي أبقى «حزب الله» على قيد «الحياة اللبنانية». وبالتالي فإن قطعه خطوة ضرورية قصوى لخنق جماعة لبنانية كاملة، تبدو في خط النار البوشي.

واللافت أن ثمة مفارقة أخرى في ثنائيات تلك الحروب التفكيكيّة الثلاث فهي تقوم على علاقة مفارقة، بين خصم لأميركا من جهة، وبين صديق سابق لها. فإذا كانت أفغانستان الملا عمر وبن لادن عدواً لواشنطن. فإن باكستان برويز مشرف، كانت صديقاًَ لها.

وإذا كانت إيران الخصم، فسوريا كانت الصديق، ولو الملتبس، أو الموضوعيّ، وإذا كان حزب الله خصماً، فميشال عون كان أيضاً صديقاً.

هذه المفارقة توحي بأن خلف الأهداف الانفكاكية الثلاثة، ما يتخطى جدلية العدو والحليف، أو الخصم والصديق، وليس في السياسة الدولية ما يتخطى تلك الجدليات، إلّا… المصالح. هكذا تنفتح ذاكرة المراقبين على زوايا أخرى من حقيقة المقاربات الأميركية. ففي أفغانستان، ثمة ما يتعدى بن لادن «وقاعدته»، لا بل يسبقهما. هناك الإطلالة على بحر قزوين ونفطه وغازه، وهناك كانت المحاولة الأولى لخط الأنابيب سنة 1993، قبل مغامرة باكو ـــــ تبليسي ـــــ جيهان.

وهذه «المصلحة» الأميركية الثابتة، قد تعود أولوية قصوى، في ظل «عودة» روسيا، وتمددها في القوقاز. وبين العراق وإيران، هي «المصلحة» نفسها، في إطلالتهما على الخليج، وعلى مضيقه الذي يورد 40 في المئة من زيت الغرب الأسود يومياً. لكن ماذا في لبنان؟ لا نفط هنا ولا غاز. كل «الثروة» محط «المصلحة» هنا، مرتبطة بسؤال: كم هو عدد فلسطينيي الداخل اليوم، مقارنةً بعدد اليهود؟ وكيف ستصبح هذه السنة، بعد عقد، أو بعد عقدين على أبعد تقدير؟ تلك هي المسألة: استيراد ما في جوف الأرض بين الخليج وقزوين وجوارهما/ وتصدير ما فوق الأرض، في جوار إسرائيل، وداخلها. وما هي الصيغة المثلى للانفكاك؟ تصفية الطرف الأسهل، هذا هو الهدف.

أموال انتخابية، ضيق السرايا بنائب رئيسها، «تربية» مستشار لوزير «عوني»، وهجوم خلوي على باسيل… مجرد حلقات في سلسلة آخر حروب رئيس راحل وإدارة ساقطة.