انتصار أوباما: كيـف يمكـن أن يُصـرف فـي لبـنان؟

مشاركة:

قوى ١٤ آذار تحاول التكيف… والمعارضة تعتبر أنها فازت على بوش قبله

تابع الكثيرون من اللبنانيين بشغف الانتخابات الرئاسية الاميركية وانقسموا حولها تبعاً لطبيعة انقساماتهم السياسية، فبدا ان المرشح الجمهوري جون ماكين كان محسوباً على فريق ١٤ آذار بينما حُسب المرشح الفائز باراك أوباما على فريق ٨ آذار، حتى لو كانت المواقف المعلنة لرموز الفريقين وشخصياتهما قد تجنبت الإشهار بالرغبات المضمرة.

وتأسيساً على هذه الاصطفاف، ظهر ان لبنان لم يكن فقط مجرد مشاهد للانتخابات بل كان معنياً بها بكل تفاصيلها، والارجح ان نبض الكثيرين هنا كان يرتفع ويهبط مع أرقام النتائج الاولية التي كانت تعطي إشارات متناقضة حول هوية الفائز المحتمل، الى ان ظهرت معالم الحقيقة مع صياح الديك الذي كان هذه المرة مؤشراً، ليس فقط الى طلوع نهار جديد وإنما أيضاً الى بزوغ فجر حقبة دولية مختلفة، ستتسم بمواصفات مغايرة لتلك التي اتسمت بها الحقبة البوشية.

بالنسبة الى حلفاء الادارة الاميركية السابقة في لبنان، فإنه يمكن الافتراض بأن حماستهم لمتابعة أخبار صناديق الاقتراع تعود الى إدراكهم بأن القصور التي بنوها على شواطئ عهد الرئيس السابق جورج بوش قد تطيح بها موجة أوباما الذي لم يخف رغبته في فتح حوار مع سوريا وإيران بدلاً من مواجهتهما. والأكيد ان أولئك الذين فتحت لهم أبواب البيت الابيض على مصراعيها في الفترة الاخيرة من ولاية بوش، وعوملوا بدلال لا سابق له، سيشعرون بالحنين الى تلك الايام التي لن ترجع بسهولة.

ولئن كانت قوى ١٤ آذار في بيروت قد تعمدت ان تظهر حيادية وحاولت إخفاء حقيقة مشاعرها وحساباتها، إلا ان ماكينتها الانتخابية في الولايات المتحدة كانت أكثر صراحة وشفافية في سلوكها، فنشطت في تجييش الناخبين من أصحاب الجنسية الأميركية والأصول اللبنانية لصالح جون ماكين، على قاعدة انه يشكل استمراراً للثوابت الاستراتيجية في نهج بوش الذي وقف الى جانب ثورة الارز في معركتها لإخراج الجيش السوري من لبنان وإقرار المحكمة الدولية، وختم عهده بغارة دموية على سوريا كانت تبشر بآت أعظم لو أسعفه الوقت.

ولا يخفي مؤيدو قوى ١٤ آذار قلقهم من النزعة التسووية لدى أوباما الذي يعطي الأولوية لإقفال ملف حرب العراق ومحاورة دمشق وطهران مع ما يمكن ان يعنيه ذلك من احتمال تهميش الملف اللبناني او عرض بعض أوراقه للمقايضة، بينما كان الحزب الجمهوري ينظّر لجدوى الحرب على العراق ويحاول تأمين شروط شن حرب جديدة على إيران ويتعاطى مع لبنان كإحدى الأولويات ونقاط الارتكاز الحيوية في المنطقة. ولعل أكثر ما يخشاه هؤلاء هو ان يؤدي اي حوار بين أوباما ومحور الشر الى معادلات إقليمية من نوع آخر، قد يتحول فيها العامل اللبناني الى فرق عملة في زمن انهيار البورصات الاقتصادية… والسياسية.

ولكن إحدى شخصيات ١٤ آذار، التي كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع المسؤولين في إدارة بوش، تعتبر ان الثوابت الاميركية تجاه لبنان لن تتغير مع فوز أوباما على ماكين، مشددة على ان الارض ستظل تدور بالسرعة ذاتها ولن تنقلب الدنيا رأساً على عقب كما يفترض بعض الواهمين.

وتعرب هذه الشخصية عن اعتقادها بأن تحولاً نوعياً لن يطرأ على جوهر السياسة الاميركية المتعلقة بالوضع اللبناني، لافتة الانتباه الى ان فريق الاكثرية التقى مع بوش على وجوب إقرار المحكمة الدولية وجعل لبنان دولة مستقلة تتمتع بقرار سيادي وحدود مصونة، وهاتين الثابتتين لن تتأثرا بانتخاب أوباما لا سيما انه يأتي الى الحكم من خلفية الاهتمام بحقوق الانسان.

وتكشف الشخصية عن ان قوى ١٤ آذار استبقت الانتخابات ببناء صداقات ومد خطوط اتصال باكراً مع أعضاء فاعلين في فريقي أوباما وماكين، مشيرة الى ان مجموعة من الناشطين اللبنانيين أقاموا قبل مدة حفلاً على شرف أوباما وبحضوره، عدا عن ان نائب الرئيس المنتخب بايدن جاء الى لبنان من قبل وتوجد معرفة به وبدنيس روس المتوقع ان يؤدي دوراً هاماً في فريق أوباما، أما ماكين فهو سبق له ان زار لبنان حيث التقى على مائدة السفارة الاميركية في بيروت بالنواب وليد جنبلاط ونائلة معوض وبطرس حرب والنائب السابق غطاس خوري، كما حضر اللقاء يومها العماد ميشال عون ولم يكن يومها قد وقّع على التفاهم مع حزب الله. وتروي تلك الشخصية ان ماكين سأل عون ممازحاً في تلك الجلسة: برأيك من منا سيكون رئيس الجمهورية المقبل في بلاده؟

ولا تجد هذه الشخصية ان هناك مبرراً مشروعاً للتخوف من صفقة يجريها أوباما مع سوريا، متوقعة ان يلمس الرئيس المنتخب من خلال التجربة الشخصية صعوبة محاورة النظام السوري. وإذ تقر بأن نقاط القوة الدولية التي كانت تحصن فريق الاكثرية تتلاشى الواحدة بعد الاخرى، في أعقاب خروج جاك شيراك وطوني بلير من الحكم ثم جورج بوش، تلفت الانتباه الى ان ذلك يدل على ان هناك تداولاً للسلطة في الغرب وحتى في إيران حيث من المنتظر ان يتغير الرئيس نجاد، إلا في سوريا الجامدة.

أما في المعارضة، فإن أحد ظرفائها يرى ان فريق ١٤ آذار تلقى ضربتين في فترة قصيرة، مع لحظ فارق التشبيه بينهما: الاولى بعد خسارة مرشحه الى رئاسة نقابة المحامين في طرابلس والثانية بعد خسارة مرشحه الى رئاسة الولايات المتحدة الاميركية.

وإذ يستعيد هذا المعارض جديته، يقول إن هزيمة المرشح الجمهوري ماكين لا تعني فقط ان نهج بوش هو الذي هُزم في الداخل الاميركي بعدما تعرض لهزائم متتالية في العراق وافغاستان ولبنان وفلسطين، بل تعني أيضا ان المحافظين الجدد الذين تولوا التنظير للحروب الاستباقية في ولايتي بوش قد تلقوا صفعة موجعة مقابل صعود أصحاب المدرسة الواقعية بقيادة أوباما الذي لم يجد حرجاً في الاعلان عن نيته محاورة إيران وسوريا بحثاً عن تسويات تحفظ مصالح الجميع، الامر الذي يشكل ترجمة فعلية لتوصيات بيكر ـ هاملتون.

وفي قراءة بعض أوساط المعارضة الفاعلة ان فريق ٨ آذار لم يكن ينتظر فوز أوباما حتى يشعر بالارتياح، ذلك ان انتصاره الاستراتيجي تحقق خلال حرب تموز وجرى استكماله في ٧ أيار، الامر الذي أتاح فرض تسوية الدوحة على قاعدة مطالب المعارضة والتي كانت إدارة بوش هي اول من رفضها، قبل ان تعود وتخضع لها في أعقاب التحول في موازين القوى. وبهذا المعنى، تعتبر المعارضة انها فازت على بوش قبل ان يفوز عليه أوباما، وبالتالي فهي نجحت برأيها في فرض معطيات لم يكن بمقدور لا ماكين ولا أوباما تجاهلها، وأهمها ان المقاومة أصبحت خارج التداول بعدما أخفق الخيار العسكري والبديل السياسي في إخضاعها.

وفي حسابات المعارضة ان ما لم تتمكن إدارة بوش من ان تحققه في ذروة قوتها وعز حضانتها لبعض الداخل لن تتمكن أي إدارة أخرى من تحقيقه، ومن هنا يأتي قلق حلفاء الحزب الجمهوري الاميركي على فعاليتهم في المرحلة المقبلة بعد رحيل بوش وتقلص الدور الدولي لأميركا بفعل أزمتها المالية وإخفاقات رئيسها السابق. ومع ذلك، تقر المعارضة بأن النظام الطائفي في لبنان يحفظ للجميع مقاعدهم وحصصهم بمن فيهم أولئك الذين يخسرون رهاناتهم فيلوذون في هذه الحال الى طوائفهم ليعيدوا إنتاج أدوارهم.