مجلس وزراء الحكي والقهوة والأكل!

مشاركة:

تعيش حكومات لبنان فصاماً سعيداً يتمثّل بانفصالها عن الحياة العصرية وعن أزماتها.

يجتمع مجلس الوزراء لساعات قبل أن يخرج وزير الإعلام ويتلو على المواطنين مقررات الجلسة، ولكن خلف الأبواب المغلقة، تظلّ النقاشات ملكاً للوزراء، ويسرّبون منها ما يناسب الوزير

يتحرّك أحد الوزراء العونيين كثيراً على كرسيّه، ويسأل الجالسين معه: «هل يُمكن أن يمرّ ملفّ الكسارات دون أن أتحفظّ عنه؟».

يستخدم سؤاله هذا للدلالة على أن وضع جلسات مجلس الوزراء ليس على أكمل وجه. يُتابع الوزير شرحه قائلاً: «تبدأ الجلسة بمطالعة سياسيّة لرئيسي الجمهوريّة والحكومة، ثم بمداخلات تطول أو لا تطول، ولكن في النتيجة تكون قد مرّت ساعتان أو ثلاث، إن لم يكن أكثر، قبل البدء بالبحث في جدول الأعمال، الذي لا يأخذ وقتاً طويلاً، وبالتالي فإن بعض الوزراء يشعرون بمللٍ كبير، وينسحبون من الجلسة قبل نهايتها، مما يؤدّي إلى عدم نقاش بنود جدول الأعمال نقاشاً مفصّلاً.

ينتهي الوزير من كلامه عن إدارة الجلسات، ليبدأ حديثاً آخر عن تفريخ الوزارات، فأغلب المشاريع ترتبط بوزارات عديدة، وبالتالي يجب عقد لقاءات تنسيقيّة بين الوزراء، مما يعني إضاعة الوقت قبل الوصول إلى النتيجة المرجوّة، «هذا إذا انتهينا قبل انتهاء عمر الحكومة. وبالتالي يقوم الوزراء الجدد بالشروع من حيث بدأنا قبلهم.

وهكذا…».

هذا الوزير متشائم. لعله يرغب في واقع أفضل، لكن الأكيد من كلامه أن مجلس الوزراء ضحيّة لبيروقراطيّة إداريّة وتسويات سياسيّة تجاوزت مفهوم العمل الديموقراطي. وهو ما يؤكّده الوزير جان أوغاسابيان، الذي يتساءل عن جدوى وجود جميع القوى في حكومة واحدة، مما يعني انتقال الصراع السياسي إلى داخل الحكومة، وتكبيلها بمبدأ الإجماع، «ولا يُمكن مؤسسة أن تعمل انطلاقاً من الإجماع. هناك أكثريّة وأقليّة يجب أن تُحترما».

ويشير الوزير الأرمني إلى أن دور مجلس النواب كمحاسب ورقيب ينتهي في حكومة من هذا النوع.

كيف تحصل اجتماعات مجلس الوزراء وكيف يُعدّ جدول الأعمال؟

ينصّ مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء رقم 2552 الصادر في 1/8/1992 على أن جدول أعمال مجلس الوزراء يتضمن القضايا والمشاريع والاقتراحات التي تدخل في صلاحيات مجلس الوزراء. ويكوّن الوزير المختص، في كل قضية يرى عرضها على مجلس الوزراء، ملفاً كاملاً يعزز بالوثائق والمستندات ذات العلاقة بالقضية يودعه رئاسة مجلس الوزراء على أن يرفق بكل مستند نسخاً على عدد الوزراء مصدّقة عن المستند الأصلي، وعلى الأمين العام لمجلس الوزراء إعادة الملف الذي لا يجري تحضيره على الشكل المبين أعلاه إلى الوزارة المختصة لاستكماله، ثم تدرس رئاسة مجلس الوزراء القضايا المعروضة وتحيل منها ما يقتضي إحالته على المراجع المختصة لإبداء الرأي فيه وتُعلم الوزير المختص بذلك.

يضع رئيس مجلس الوزراء جدول الأعمال وفق الأصول المحددة في الدستور ويطلع رئيس الجمهورية سلفاً على المواضيع التي تتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث وترسل نسخاً عنه إلى رئاسة الجمهورية وإلى جميع الوزراء، وذلك:

ـــ قبل أسبوع على الأقل من تاريخ مناقشتها بالنسبة لمشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية، ويقتضي أن ترفق بمشاريع القوانين جداول مقارنة تبيّن النص الحالي والنص المقترح والأسباب الموجبة الداعية للتعديل. غير أنه يمكن بعد موافقة مجلس الوزراء مناقشة مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية في الجلسة دون التقيد بمهلة الأسبوع المذكورة.

ـــ قبل يومين على الأقل لمناقشتها للمواضيع.

ـــ مع مراعاة أحكام المادة 17 من هذا المرسوم، تعتبر مناقشات مجلس الوزراء ومداولاته سرية ولا يجوز نشرها أو الإعلان عنها.

ويُعطي المرسوم كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء عرض الأمور الطارئة التي تطرأ بعد وضع جدول الأعمال من خارج الجدول المذكور وفقاً لمضمون الفقرة (11) من المادة (53) والفقرة (6) من المادة (64) من الدستور، ولا يبحث أي موضوع قبل عرضه على رئيس الجمهورية. ومع مراعاة الأصول الدستورية يمكن أن يعرض كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء على مجلس الوزراء بعد توزيع جدول الأعمال الأمور المستعجلة أو التي لها طابع السرية التي يرى المجلس أن المصلحة العامة تقضي بدرسها.

يقول الوزير علي قانصو إن جدول الأعمال في الحكومة الحاليّة لا يتضمّن أيّاً من المواضيع التي قد تكون موضع خلاف.

وكلّما طُرح موضوع قد يؤدي إلى نقاش يسحبه رئيس الجمهوريّة من التداول. هكذا يلعب الرئيس ميشال سليمان دور الإطفائي لحكومة قد تشتعل في أي وقت. لكن قانصو ينفي إمكان انهيار الحكومة، «لأننا نصرّ على بقائها» ويستعين بحديث الرئيس السنيورة إلى جريدة «الفايننشال تايمز» الذي كان ممكناً أن يؤدّي إلى انفجار «لكننا فضّلنا عدم الردّ».

وهنا يقول أوغاسبيان إن الموضوع الجدلي الذي قد يؤدّي إلى انفجار (الاستراتيجيا الدفاعيّة) انتقل إلى طاولة الحوار.

ويقول قانصو إن التعيينات الإداريّة والأمنيّة تكون عادة، في هذه الوزارة، من خارج جدول الأعمال، لأن هذا الأمر مرتبط بالتوافق السياسي بين الأطراف الأربعة: تيار المستقبل، التيار الوطني الحرّ، حركة أمل وحزب الله.

وتُعرض هذه التعيينات من دون وجود سيرة ذاتيّة للمرشّحين، ويُفاجأ بعض الوزراء في الكثير من الأحيان، بطرح أسماء لا يعرفون عنها شيئاً. ويقول أوغاسبيان إن هذا هو التقصير الأساسي في عمل الحكومة «ويجب إقرار التعيينات في أقرب فرصة ومن دون إجماع حتى تسير عجلة إدارات الدولة».

المقارنة بالوزارات السابقة تظهر أن التعيينات كانت جزءاً من جدول الأعمال، بحسب أحد الوزراء السابقين، «ولم نكن نضع الأسماء ضمن جدول الأعمال، حتى لا تنتشر ويُحرج من لا يتم اختياره، وكان الوزير المعني يُحضر سيراً ذاتيةً عن المرشحين ويسلمها إلى رئيسي الجمهوريّة والحكومة قبل الجلسة، وإلى الوزراء خلال الجلسة، مع تعليل اختيار لكل اسم».

يقول وزير حالي إن الجلسات تستغرق ساعات بسبب مطوّلات الوزراء وعددهم الكبير، «فإذا تحدّث 20 وزيراً في الموضوع السياسي لمدة خمس دقائق لكلّ واحد نكون قد تجاوزنا الدقائق المئة، ويطلب رئيس الجمهوريّة دائماً من الوزراء أن يختصروا قدر الإمكان».

ويذكر الوزير أسماء زملائه المتكلّمين في النقاشات السياسيّة وهم: عصام أبو جمرة، محمد شطح، محمّد جواد خليفة، غازي زعيتر، محمد فنيش، غازي العريضي، علي قانصو، وائل أبو فاعور، جبران باسيل وإبراهيم نجّار. أمّا الوزراء الذين يُمكن الاستغناء عنهم دون أن يشعر زملاؤهم بأي فرق في الجلسات فهم: طوني كرم، إيلي ماروني وريمون عودة، «الذين لا نشعر أحياناً بوجودهم».

ويقول مرسوم تنظيم مجلس الوزراء: «تراعى في أعمال مجلس الوزراء الأولويات الآتية:

أ – الأوضاع العامة وقضايا الساعة.

ب – الأمور الطارئة.

ج – القضايا المدرجة على جدول الأعمال».

وفي المادة الثالثة عشرة يشير المرسوم إلى أن «الأمين العام لمجلس الوزراء يتلو خلاصة كل مشروع معروض على الجدول، كما يتلو عند الاقتضاء التقارير الموضوعة حوله، ثم يعطى الكلام للوزير المختص ومن بعده للوزراء الذين طلبوا الكلام في الموضوع وذلك تباعاً حسب ترتيب طلباتهم».

لكن الجميع يشعرون بأن هذه حكومة تصريف أعمال. ينتفض هنا علي قانصو ليقول إن على مجلس الوزراء العمل بروحيّة أن عليه وضع البلاد على سكّة الإصلاح.

ويحدّد عدداً من الملفات التي يجب عقد جلسات مخصّصة لها، مثل الكهرباء، الاتصالات، التربية، الصحّة ومجلس الإنماء والإعمار (الذي تم توزيع خطّة عمله للسنة المقبلة على الوزراء منذ نحو شهر، بغية درسها في جلسة خاصة) وسيعقد المجلس يوم الاُثنين جلسة في قصر بعبدا على جدول أعمالها موضوع الموازنة.

ويُشير قانصو أيضاً إلى ضرورة البدء بالبحث جدياً في الموضوع الاقتصادي ـــ الاجتماعي، رغم أن الباقي من عمر الحكومة ليس سوى ستة أشهر، «لكن الحكم استمراريّة ولا يُمكن أن نتصرّف بذهنيّة أن علينا إجراء انتخابات فقط» يقول قانصو قبل أن يلفت إلى أن أعلى مستوى بطالة في البلاد هو بين متخرجي الجامعات.

يبتسم أحد الوزراء الجدد في الحكومة الحاليّة عندما تسأله عن هذا الموضوع. في نظره لا يُمكن الحكومة أن تقوم بشيء. يكفي أن الوزراء يمضون أوقاتهم في شرب القهوة والشاي والأكل والتدخين في زاوية القاعة.

كما أن رئيسي الجمهوريّة والحكومة لا يُطلعان أعضاء الحكومة على أسماء أعضاء الوفود التي ترافقهم إلى الخارج، فيما رؤساء الحكومات غير الحريريّة تعوّدوا القيام بهذا الأمر، مما يطرح السؤال عن دور وزراء الدولة «الذين يُفترض أن يكونوا ضمن الوفود، كذلك تكليفهم أمر اللجان التي تجمع عدداً من الوزارات، وهو ما لا يحصل حالياً». وقد أبلغ رئيس الحكومة الوزيرين علي قانصو ووائل أبو فاعور أنه سيؤمَّن لهما مكتبان في مبنى اللعازريّة وسط بيروت، كونهما وزيري الدولة الوحيدين اللذين لا يملكان مكتباً خاصاً، فيما يبقى نائب رئيس الحكومة بلا مكتب.

أين مقرّ مجلس الوزراء الخاص؟

تنص وثيقة الطائف على أن «مجلس الوزراء يجتمع دورياً في مقر خاص» كما ينصّ مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء في المادة السادسة منه: «ينعقد مجلس الوزراء دورياً في مقره الخاص».

وكانت حكومة الرئيس سليم الحص هي أول من طبّق الدستور في هذا الإطار، واتخذت من مبنى رئاسة الجامعة اللبنانيّة السابق خلف المتحف الوطني مقراً مؤقتاً لها «رغم وضع الرئيس إميل لحود الأمني» كما يقول أحد الوزراء، وقد استمر ذلك مع حكومة الرئيس عمر كرامي.

ثم توقّف مع الرئيس السنيورة الذي عاد إلى التقليد الذي اعتمده الرئيس الراحل رفيق الحريري، وهو عقد الجلسات في قصر بعبدا عندما يترأسها رئيس الجمهوريّة، وفي السرايا الحكومية عندما تكون برئاسة رئيس الحكومة، «وذلك بسبب الوضع الأمني للرئيسين» يشرح

أوغاسبيان.

واللافت أن المرسوم ذاته يُعطي رئيس مجلس الوزراء الحق في عرض خلاصات مفيدة من التقارير التي ترفع إليه من الأجهزة الرقابيّة «كلما كان ذلك ضرورياً».

ويشير إلى أن قرارات مجلس الوزراء ملزمة لجميع أعضاء الحكومة وفقاً لمبدأ التضامن الوزاري، وعلى الوزير المختص الالتزام بتوقيع مشاريع المراسيم تنفيذاً لهذه القرارات.

يقول أحد الوزراء المخضرمين إن المشكلة الأساسيّة السابقة والحاليّة واللاحقة هي عدم مأسسة مجلس الوزراء، وعدم إنجاز نظام داخلي عبر مجلس النواب، يكون ملزماً للجميع.

بينما يقول زميل آخر له إن المشكلة ليست في وجود أو عدم وجود القانون مع عدم ضروريّة المأسسة، بل في العقليّة السائدة في إدارة المؤسسات العامّة البعيدة عن العقل الديموقراطي والحديث للإدارة. الرجلان عريقان في العمل بالشأن العام، وهما متشائمان.

الوزراء العلمانيون والقانونيون

 

في مجلس الوزراء الحالي ثلاثة وزراء علمانيين، هم: علي قانصو (السوري القومي الاجتماعي)، زياد بارود ويوسف تقلا، «الذي لا يعرف الناس عنه علمانيته، رغم أنه من أشد الناس بعداً عن الخطاب الطائفي» يقول زميل له.

وثمة أربعة وزراء قانونيين، يُعتمد عليهم في الأمور القانونيّة وهم: إبراهيم نجار وتلميذه في الجامعة وفي مكتب المحاماة زياد بارود، ويوسف تقلا وخالد قباني. واللافت أن معظم الوزراء العلمانيين والقانونيين هم وزراء دولة.

 


الموقع الإلكتروني للحكومة

 

يُحدّد الموقع الإلكتروني لمجلس الوزراء (www.pcm.gov.lb) الإدارات والمؤسسات العامة لدى رئاسة مجلس الوزراء وهي:

• التفتيش المركزي ـــ إدارة الأبحاث والتوجيه ـــ إدارة المناقصات

• مجلس الخدمة المدنية ـــ تعاونية موظفي الدولة ـــ المعهد الوطني للإدارة والإنماء

• الهيئة العليا للتأديب

• إدارة الإحصاء المركزي

• الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية

• مؤسسة المحفوظات الوطنية (سلطة وصاية)

والمجالس والمؤسسات العامة التي ترتبط برئيس مجلس الوزراء:

• ديوان المحاسبة (يرتبط إدارياً)

• المجلس الوطني للبحوث العلمية

• مجلس الجنوب

• الصندوق المركزي للمهجرين

• المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان

• المؤسسة العامة لترتيب منطقة الضاحية الجنوبية الغربية لمدينة بيروت (اليسار)

• الهيئة العليا للغغاثة

• المجلس الأعلى للخصخصة

• المؤسسة العامة للأسواق الشعبية (سلطة وصاية)

ويدور نقاش سياسي ـــ قانوني حول وجود الهيئة العليا للإغاثة تحت سلطة رئيس مجلس الوزراء، إذ إن المرسوم الاشتراعي الصادر عام 1977 والقاضي بأن الهيئة تتبع لوزير الشؤون الاجتماعيّة، عُدّل بمرسوم عادي.

المجالس والمؤسسات العامة التي ترتبط بمجلس الوزراء

• مجلس الإنماء والإعمار

• المجلس الاقتصادي والاجتماعي

ويلفت نظر المراقب لموقع رئاسة الحكومة، أن الموقع يتحدّث عن إنجازات حكومة «الإصلاح والتغيير» ثم يسميها في مكان آخر حكومة «الإصلاح والنهوض» وهي حكومة الرئيس السنيورة الأولى، ولا يتحدّث عن الحكومات السابقة لها، ولا معلومات فيه عن الحكومة الحالية إلا أسماء الوزراء والبيان الوزاري.

أمّا الصفحة المتعلّقة بالمعلومات حول كيفيّة زيارة السرايا الحكومية، فإنها لا تزال قيد الإنشاء. لكن الموقع يقدم خدمات مفيدة لمتصفّّحيه لجهة تأمين الحصول على مقررات مجلس الوزراء عام 2008، ومحاضر جلسات مجلس النواب للأعوام 2005 و2006 و2008.