خيبة 14 آذار من باريس وواشنطن

مشاركة:

بعد زيارة وفد 14 آذار إلى باريس للشكوى على سوريا بسبب حشودها العسكرية على الحدود الشمالية مع لبنان

أجرى الوفد المؤلف من الوزير السابق مروان حمادة والنائب السابق فارس سعيد ورئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون اجتماعاً تقييمياً، خرج على أثره المجتمعون بانطباع ثنائي حول المهمة: فمن الناحية الشكلية لم يتمكن الوفد، بحسب أحد أعضائه، من مقابلة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ولا أي مسؤول فرنسي كبير في الإليزيه بعدما كان قد طلب مثل هذا الموعد مع الرئيس أو أحد أركان الخارجية الفرنسية بإلحاح شديد عبر ورقة تتضمن قلق فريق 14 آذار من احتمال تدخل عسكري سوري في الشمال اللبناني بتغطية أوروبية ـــــ أميركية لاجتثاث بؤر الإرهاب التي وصلت بشأنها تقارير إلى وزارتي الخارجية الفرنسية والأميركية من سفارتيهما في بيروت ودمشق.

وكشف مصدر دبلوماسي لبناني في باريس أن الإهمال الفرنسي للوفد اللبناني أصابه بخيبة شديدة بعدما كان يتوقع اهتماماً فرنسياً بمهمته إثر الدعم الذي وعد به النائب سعد الحريري والسفير السابق جوني عبده. لكن الوفد تمكّن بعد انتظار من لقاء وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في أحد أروقة الإليزيه وكاشفه بمخاوفه، وكان جواب كوشنير أنه لا يتابع الموضوع شخصياً وأن ما يقولونه ليس دقيقاً جداً.

بعد الإحباط في فرنسا، توجه الوفد إلى واشنطن في محاولة للحصول من الإدارة الأميركية على موقف متشدد من احتمال التدخل العسكري السوري في لبنان. ومهّد الوفد لزيارته باتصالات كثيفة أجراها فريق الحريري في بيروت أفضت لطمأنة الوفد إلى اهتمام أميركي مؤكد بمهمته. وفي العاصمة الأميركية اصطحب أحد مساعدي الحريري المسؤول عن اللوبي التابع له في واشنطن، الوفد للقاء أحد مسؤولي وزارة الخارجية، وعرضوا له الموضوع معلنين موقفهم الرافض لأية تسوية دولية مع النظام السوري تسمح له بالتدخل العسكري ولو الجزئي في شمال لبنان. وخلال الاجتماع كان المسؤول الأميركي مستمعاً من دون إظهار أية ردة فعل. وفي نهاية الاجتماع أبلغ المسؤول الأميركي ضيوفه طلب البنتاغون الأميركي من مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية تحويل القمر الصناعي الخاص بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجهته نحو الفضاء السوري فور ورود الأنباء عن الحشود العسكرية السورية على الحدود مع لبنان، وأن نتيجة الاستطلاع المصوَّر الذي أجراه القمر الصناعي أكدت وجود تجمعات عسكرية ضئيلة العدد والتجهيز في المواقع المذكورة، وهي ليست حشوداً كبيرة كما يدعي الوفد، ولا تستدعي إثارة قلق المسوؤلين في بيروت وواشنطن.

ودار نقاش حاول خلاله الوفد شرح المناورات السورية المعهودة في لبنان التي خبرها اللبنانيون قبيل دخول القوات السورية إلى لبنان في عام 1976، وكيف اكتسب ذلك الدخول تغطية عربية ودولية بحجة تحجيم دور المنظمات الفلسطينية ودعم الدولة اللبنانية في مواجهتها، فكانت النتيجة مباركة دولية لدور سوريا في لبنان لم تنتهِ إلا بصدور القرار الدولي 1559 بعد 29 سنة من دخولها إليه. وكان كل ذلك في إطار اتفاق «الخطوط الحمراء» الذي عقده وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر بين سوريا وإسرائيل واتفق الأطراف الثلاثة بموجبه على حجم القوات السورية الداخلة إلى لبنان ومناطق انتشارها فيه وحجم أسلحتها ونوعيتها وطبيعة المهام الموكلة إليها. ثم سأل أحد أعضاء الوفد المسؤول الأميركي عن احتمال توافق أميركي ـــــ إسرائيلي ـــــ سوري على دور جديد للجيش السوري في لبنان، فاكتفى المسؤول الأميركي بالابتسام، مردفاً أن من السذاجة الاعتقاد بتجاوز سوريا للقرار 1559 ومذكّراً بأن سوريا كانت تصمّ آذانها عن المطالبات الأميركية لها باحترام سيادة لبنان طوال الفترة الممتدة من سنة 1990 وحتى سنة 2005، لأن تلك المطالبات كانت تعبّر عن رأي دول منفردة لا عن رأي المجتمع الدولي الذي ما إن تحرّك عبر الأمم المتحدة للمطالبة الرسمية بخروج الجيش السوري من لبنان بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل شبه كامل منه، حتى أبدت سوريا استعدادها للسير في قرارات الشرعية الدولية، وحين حدد مجلس الأمن الدولي تاريخ 30 نيسان 2005 لانسحاب الجيش السوري كاملاً من لبنان، أنجزت القيادة السورية الانسحاب العسكري الكامل لقواتها قبل انقضاء ذلك التاريخ بأيام. لكن خيبة الوفد اللبناني تعاظمت بعدما سمع من المسؤولين الأميركيين تأكيداً على نيّة إدارتهم إعادة سفيرها إلى دمشق، إضافة إلى الإيحاء للبنانيين بأن المنافسة بين الإدارتين الأميركية والفرنسية كانت منافسة في التشدد مع سوريا عقب صدور قرار مجلس الأمن 1559، وأن هذه المنافسة باتت اليوم مركّزة على السياسة الاستيعابية مع النظام.