عاماً على تأسيس حزب العمّال والفلّاحين: أين صار اليوم؟

مشاركة:

في مثل هذه الأيام من عام 1974 احتفل الحزب الشيوعي بعيده الخمسين، وكانت الاحتفالات السياسية والشعبية والثقافية حينها تظهر، انتشار الحزب وقوته

واقتراب نذير رفض اليمين اللبناني تعديل النظام الطائفي، ورفضه لحزب شيوعي كبير يضغط على النظام كل لحظة. ماذا عن اليوم؟

ربما لم يدر في خَلَد يوسف إبرهيم يزبك وفؤاد الشمالي وبطرس الحشيمي وشبلي الشميّل وثلاثة آخرين أن ما بدأوا في تأسيسه يوم 24 تشرين الأول 1924 في منزل الأول، سيبقى على قيد الحياة حتى عام 2008. أو ربما حسبوا أن هذا الطفل الذي كان هواء بلدة الحدت هو أول ما تنشّقه، سيكون في رأس السلطة السياسيّة عام 2008، لأنه ببساطة حزب العمّال والفلّاحين. وربما حسبوا أموراً أخرى.

الأكيد أن هذا الحزب بقي على قيد الحياة، وإن كان يمرّ في مراحل صعبة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي؛ لكنّه حفر اسمه بقوّة في تاريخ لبنان والمنطقة، وإن كان تاريخ لبنان ـــ الطوائف يحاول جاهداً إلغاء دور الحزب من معركة الاستقلال ومعركة الضمان الاجتماعي والجامعة اللبنانيّة والمقاومة، سواء التي أطلقها الحزب في الجنوب تحت اسم الأنصار، أو تلك الفلسطينية، والعمّال في معمل غندور ومزارعي التبغ ومحاولته خوض معركة التحرّر الوطني وتغيير النظام السياسي وإطلاقه للمقاومة في وجه الاحتلال الاسرائيلي عام 1982. وقد يكون موضوع اعتماد النسبيّة أكثر ما هو واضح في هذا الإطار. فالحزب الشيوعي هو أوّل من أدخل هذا المصطلح إلى الحياة السياسيّة وطالب به، لنصل إلى شبه حالة إجماعٍ على ضرورته مع الخوف منه.

يُحدّد نائب الأمين العام للحزب سعد الله مزرعاني دور الحزب منذ تسعينات القرن الماضي حتى اليوم بالتالي: تنمية تيّار وطني ديموقراطي، يرتكز في عمله على ثلاثة محاور:

 

يرتبط المحور الأول بالصراع في المنطقة ومواجهة المشروع الأميركيّ للسيطرة على ثروات المنطقة، وبشكل خاص ثرواتها النفطيّة، واحتلال العراق نموذج. وهذا لا يتعلّق بالمنطقة وحدها في رأيه، بل له تأثيراته في الداخل اللبناني.

أمّا المحور الثاني، فهو في رأي مزرعاني تطوير النظام السياسي، وخصوصاً بعدما أصبح هذا النظام خطراً على الكيان اللبناني ووحدة أراضيه، ويدير الظهر للإصلاحات، وخصوصاً إصلاحات اتفاق الطائف، والبديل هو النظام الديموقراطي.

وتحتل التنمية الاقتصاديّة ـــ الاجتماعيّة والعدالة الاجتماعيّة المحور الثالث، بغية بناء اقتصاد وطني مستقل وليس ريعياً.

ويقول مزرعاني إن ترتيب الأولويّات يتغيّر بحسب الوضع، لكن لا يُمكن إلغاء أي محور من المحاور.

فإذاً، اليوم الحزب أقرب إلى المعارضة اللبنانيّة، دون أن يتحوّل إلى مكوّن من مكوّناتها، وهو يتقاطع «معها في موضوع المقاومة ومشروع السيطرة الأميركيّة على المنطقة، ويُحاورها ويسعى معها في سبيل إحداث إصلاحات في بنية النظام السياسي والاقتصادي ـــ الاجتماعي، ليس لأنه مطلب يساري فقط، بل ضرورة وطنيّة، إذ إن بعض من قام بالخيانات الوطنيّة يختبئ خلف النظام الطائفي» بحسب أمين سرّ المجلس الوطني في الحزب الشيوعي خالد خدّاج.

مزاج القاعدة الشيوعيّة قريب من المعارضة وبعيد عنها. يختلف هذا المزاج مع اختلاف المناطق. في الجنوب والضاحية الجنوبيّة لبيروت يختلف مع الأحزاب المسيطرة، أي حزب الله وحركة أمل، لكن موضوع المقاومة يظلّ اقتناعاً فكريّاً وارتباطاً عاطفياً. وتلوم القاعدة الشيوعيّة هذين الحزبين لكونها ترى بعينها فساد حركة أمل، وخصوصاً في الجنوب، وتديّن حزب الله وتغطيته لفساد أمل «لا بل شاركها إياه في الجنوب بعد حرب تمّوز» يقول شيوعي من مدينة صور.

لكن هذا الاعتراض يتلاشى بين القاعدة البعيدة عن وجود حزب الله وحركة أمل، لا بل يصل في منطقة الجبل وشمال لبنان إلى نوع من التماهي مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، لسبب رئيسي هو المقاومة.

أمّا العلاقة مع الأحزاب الأخرى، فهناك يأس وعتاب من التيّار الوطني الحرّ لكون هذا التيّار ابتعد عن شعارات العلمانيّة التي رفعها، ولم يلتزم جمهور ميشال عون قول الجنرال في السابع من أيّار 2005 «إذا قلت كلاماً طائفياً انبذوني»، رغم التقارب الشبابي بين الطرفين في الفترة الأولى.

وبالنسبة إلى العلاقة مع القوّات اللبنانيّة التي قام الأمين العام الأسبق للحزب، الشهيد جورج حاوي بزيارة «حكيمها» سمير جعجع في غدراس عام 1991، فإنها الطرف السياسي الوحيد الذي لا علاقة رسميّة معه، بحسب ما يقوله خدّاج، «وهذا ما ينطبق على القاعدة الشعبيّة للشيوعيين الذين لا يضعون سمير جعجع إلّا في خانة المجرم، رغم محاولته التقرّب منهم عندما قال في حلقة تلفزيونيّة بعد خروجه من السجن إن الشيوعيين والقوات اللبنانيّة هم الوحيدون الذين سلّموا السلاح، وإن سوريا ظلمت الشيوعيين». وبالنسبة إلى البقيّة فالعلاقة موجودة، «ونحن طلبنا موعداً من الرئيس السنيورة وما زلنا ننتظر، كما من تيّار المستقبل»، لكن الشيوعيين لا يُمكن أن يروا في السنيورة «إلّا وزير مال الرئيس رفيق الحريري الذي راكم ديناً عاماً هائلاً، وأسهم في تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد ريعي غير منتج».

يبقى وليد جنبلاط. هو «الحليف القديم الذي سلمناه أفضل شبابنا ليتاجر بدمائهم» يقول أحد الشيوعيين من عاليه، رافضاً ذكر اسمه، ويضيف أن المشكلة مع جنبلاط، أنه ضيّق كثيراً على الشيوعيين وجماعته قتلوا «رفاقنا ذوي الأصول المسيحيّة بعد اغتيال كمال جنبلاط، وقتل الحركة الوطنيّة وباع جثتها». وهو ما حصل أيضاً في حرب الجبل 1983، وهنا يلتقي موقف القاعدة مع الموقف الرسمي. قيادة الحزب ترمي العلاقة على منظمة الجبل وتطلب منها التعاطي مع جنبلاط بشكل طبيعي، لكن المسؤولين في هذه المنظمة غير متحمّسين للعلاقة ولا أيضاً قيادة الحزب.

«الشيوعيون لا يزالون يرغبون بالتغيير»، مقولة تتردّد على ألسن الشيوعيين. يرفضون الخضوع للواقع، رغم أن واقعهم تغيّر، «لكن من أطلق المقاومة في عام 1982 حين أصاب الرعب الجميع، يستطيع أن يقوم بالتغيير. لذلك أدعو الجميع إلى دخول الحزب من أجل المساهمة في إصلاحه وتغيير المجتمع» يقول خداج.

ولكن لماذا تبدو علاقة الحزب بالمثقفين والإعلام غير جيّدة وأضعف بكثير منها سابقاً؟ «سأجيب بصراحة، يقول خداج، اليوم، يلجأ المثقفون إلى العمل في وسائل الإعلام ليعيشوا، ومعظم هذه الوسائل معروفة الارتباطات، ويُصبح هؤلاء المثقفون بيادق لتطبيق سياسات هذه الوسائل ومموليها».

سعد الله مزرعاني أكثر وضوحاً في الحديث عن أزمة الحزب. يقول إن الحزب يعاني ترهّلاً تنظيمياً، «وهذا ما يجب تخطيه من أجل إحاطة المناضلين بجو إيجابي لينشطوا، لكون الحزب لا يستفيد من جميع طاقاته». ويرى أن القيادة الجماعيّة للحزب ضرورية، والأهم برأيه هو عامل الديموقراطيّة، «لا بد من الديموقراطيّة، هي شرط أساسي للنجاح» يشدّد مزرعاني، ويُضيف أن على الحزب أن يستفيد من ماضيه ويراه مصدر ثراء له، ولكن يجب تغيير وسائل النضال لتتلاءم مع الواقع.

فحزب العمّال والفلاحين أصبح بعيداً عنهم، ليتحوّل حزب الموظفين والطلّاب. وحزب الطبقة الفقيرة يتحوّل إلى حزب الطبقة الوسطى، التي تتلاشى في لبنان. يقول مزرعاني إن العامل الاقتصادي أصبح عامل ضعف، «فالوضع بين المعلّمين الثانويين أصبح مقبولاً، وهي تجربة جيّدة للشيوعيين»، لكن الوضع في النقابات سيئ، ولذلك «نحن بحاجة إلى مراجعة» بحسب نائب الأمين العام، كذلك تطوير العمل بمعطيات وأساليب مختلفة عن السابق، تأخذ في الاعتبار التغيرات الاجتماعيّة وحاجات العمّال «الذين لا بدّ من الذهاب إليهم مباشرة لبناء علاقة معهم من داخل جسمهم لا من خارجه». بدوره يختصر خدّاج الموضوع بالقول: «الفقراء يلجأون إلى طوائفهم التي تُقدّم لهم الخدمات. إنها سياسة الإفساد». في رأيه أن الانهيار الاقتصادي العالمي قد يُسهم في بناء وعي طبقي في لبنان، مشيراً إلى أن أحد أسباب الأزمة هو عدم وجود استقرار اقتصادي.

84 عاماً ولا يزال الشيوعيون مصرين على تغيير المجتمع. يراهنون على مؤتمرهم العاشر في كانون الثاني 2009، ويرغبون بالدخول إلى مجلس النواب. لا يزال الرفاق يقومون بمحاولات نقد ذاتي، فهل ينجحون في تغيير أنفسهم لتغيير المجتمع؟