
مشاركة:
قبل العام 2000 الذي شهد انسحاباً اسرائيلياً من معظم الاراضي اللبنانية، لم يكن احد يتحدث عن مزارع شبعا، فكانت منطقة كغيرها من المناطق، واسمها غريب عن معظم اللبنانيين.
ولكن، بعد الانسحاب غير الكامل، وتحضير الارضية لسلام صدر الحكم فيه انما مع وقف التنفيذ، بدأت مسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تتصاعد تدريجياً لتصل الى قمة الاهتمامات بعد ان وضعتها المقاومة ضمن سلة اولويات اذا ما كانت هناك بوادر سلام مع اسرائيل.ومع تقدم الوقت، تحولت مزارع شبعا الى مركز عمليات انحصرت فيه المواجهة بين ‘حزب الله’ والقوات الاسرائيلية بموجب اتفاق قضى بتجنيب المدنيين من الطرفين اي اعتداءات وبأن ‘حزب الله’ يقاتل من اجل استعادة ما تبقى من الارض المحتلة، وكانت الامور تسير على هذه الوتيرة حتى حرب تموز 2006. وكي لا ندخل في الجدل العقيم حول اسباب هذه الحرب وتداعياتها ونتائجها، ننتقل الى المرحلة التالية وهي: تحرير المزارع. فجأة، وبلا تقديمات، بدأت الاحاديث على اكثر من لسان محلي وعربي ودولي، عن امكان اقناع اسرائيل باعادة المزارع الى اصحابها، او على الاقل وضعها في تصرف الامم المتحدة. هناك من طرح المسألة عن حسن نية، وهناك من طرخها عن سوء نية. اما سوء النية فيكمن في اعتبار ان اعادة المزارع الى لبنان، او انسحاب اسرائيل منها، ينهي مسألة سلاح المقاومة، ويسحب الذريعة منها بوجوب بقائها لاستعادة الاراضي المحتلة بعد اعادة الاسرى اللبنانيين، فيصبح لبنان عندها اكثر قبولاً للمساعي الدبلوماسية باقامة سلام مع اسرائيل.ومع بدء العمل على هذا الطرح بشكل جدي، برزت المشكلة الاساسية والمتجسدة بـ’حزب الله’ الذي كان رده الاولي ان عودة المزارع لا تعني الغاء المقاومة. كان هذا الرد العلني، ام الرد السياسي فكان ان المشروع الاميركي الى تراجع، وان القوى الاقليمية المتحالفة مع المقاومة اي سوريا وايران استعادت حضورها القوي والفاعل على الساحة، ومن غير المنطقي ان يتقدم الحلفاء ويتراجع ‘حزب الله’. ورأى ان المطلوب على الاقل الاعتراف اولاً بقدرة الحزب وامكاناته وكفاءاته من جهة، وايجاد صيغة ما تحفظ المكتسبات وتقي لبنان من شر اسرائيل، اي بمعنى آخر بقاء ‘حزب الله’ بطريقة او بأخرى، والغاء فكرة الغائه من اذهان الجميع.هذا الرد لاقى امتعاضاً عربياً ودولياً في بادىء الامر، ومورست ضغوطات من كل حدب وصوب في سبيل العودة عنه والاكتفاء بما تحقق وبالاستراتيجية الدفاعية، وتمت الاستعانة بقسم من اللبنانيين لاظهار ان هذا الطرح لا يلقى اجماعاً لبنانياً. ردة فعل ‘حزب الله’ اتت استيعابية، لان الوضع الداخلي يشكل نقطة ضعف بالنسبة اليه، فهو بحاجة الى اكبر عدد ممكن من المؤيدين له ولافكاره، فعمد الى اشاعة اهمية الاستراتيجية الدفاعية والقبول بها. ويعلم ‘حزب الله’ جيداً ان وضع مثل هذه الاستراتيجية ليس بالامر السهل، ويتطلب موافقة من الجميع. وكأي امر آخر في لبنان يتطلب اجماعاً، تكون ولادته مستحيلة وقد لا يبصر النور ابداً، ما يعني ان وضع استراتيجية دفاعية على الورق ليس بالسهل ولكنه ايسر بكثير من وضعها قيد التنفيذ.ووسط هذه المعمعة، تبقى مزارع شبعا ورقة بيد الجميع، فالاسرائيليون يريدونها سورية ليستعجلوا التوصل الى اتفاق سلام، والسورييون يريدونها لبنانية اقله بالقول، لتبقى ورقة في ملف المفاوضات والعلاقات مع الغرب، والمصريون والسعوديون يريدونها اممية لان من مصلحتهم عدم تعاظم قوة المقاومة، والايرانيون يرغبون في العكس، لذلك يريدونها لبنانية، او سورية على اقل تقدير.تتنازع المصالح والصراعات مزارع شبعا، فيما تبقى الوحيدة دون هوية تنتظر من يتبناها، وهو امر لا يبدو قريباً قبل ان يتم التفاهم الاقليمي والدولي على مصير ‘حزب الله’ وسلاحه والاستراتيجية الدفاعية والسلام المنتظر.