أسئلة الحرب الإسرائيليّة على لبنان

مشاركة:

يُعدّ الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي، دان حالوتس

رائداً في تسويق ما يُسمّى «نظرية التأثيرات» العسكرية لتحقيق النصر في الحروب، القائمة على إعطاء سلاح الجو الإسرائيلي أهمية كبيرة جداً وحاسمة، باعتماد نيرانه البعيدة المدى على حساب سلاح البر، الذي رأى أنه «من المسلّمات العسكرية التي عفا عليها الزمن، وينبغي لإسرائيل أن تتخلى عنها».

انعكست رؤية حالوتس على نظرية «تشغيل القوة» لدى الجيش الإسرائيلي، الذي خبرها وحصد نتائجها غير الناجعة في الحرب الأخيرة على لبنان عام 2006، إذ طوال أيام الحرب الـ33، عمدت الطائرات الإسرائيلية والنيران عن بعد، إلى إيجاد ما يمكن تسميته «إدراك الهزيمة في وعي العدوّ وإدراك النصر في وعي الذات»، لكن من دون جدوى.

يضاف إلى ذلك أن مخطّطي الحرب الإسرائيليين كانوا يأملون أن يسبّب ما يصيب اللبنانيين في أرواحهم وممتلكاتهم انقلاباً على حزب الله، وأن ينتج ذلك ديناميكية ما، تتلقّفها بعض القوى اللبنانية باتجاه مواجهة داخلية تستكمل ما بدأه الجيش الإسرائيلي، أملاً في إنهاء الحزب، مرة واحدة، وإلى الأبد.

ورغم أن عسكريّي إسرائيل حاولوا في الأيام الأخيرة للحرب تفعيل سلاح البر، ودفعوا بعشرات الآلاف من الجنود إلى الأراضي اللبنانية بعدما لمسوا عدم فائدة نظرية «التأثيرات»، منع «الصدأ» الذي كان يعتري الجيش الإسرائيلي، وما أبداه المقاومون اللبنانيون ميدانياً، عن الإسرائيليين الانتصار المأمول، وتأكّد من جديد أن قوة إسرائيل وانتصاراتها في حروبها السابقة لم تنبع إلا من ضعف أعدائها ، وليست وقفاً على قدراتها الذاتية.

يشير الكلام الأخير لقائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، غادي ايزنكوت، وتهديداته المباشرة للبنان وبنيته التحتية المدنية، إلى تعامل جديد وقديم في وقت واحد، يتركز على النظرية القتالية ذاتها للجيش الإسرائيلي، التي ثبت عدم جدواها في الحرب الأخيرة، وأيضاً قبل ذلك في عدواني 1993 و1996، الأمر الذي يضمر استهدافات أخرى من وراء هذه التهديدات.

تنشغل إسرائيل منذ عامين بإعادة ترميم جيشها ونظرياتها القتالية بناءً على دروس حرب تموز 2006، وصولاً إلى جهوزية عسكرية مطلوبة، بغية ردع أعدائها عن الإضرار بها، أو تمكينها من شنّ حروب قد تتطلّبها المصلحة الإسرائيلية.

من ناحية أخرى، هناك جهوزية في مقابل إسرائيل في أوساط أعدائها، يعترف الإسرائيليون بأنها غير مسبوقة ولم يشهد لها نظير، الأمر الذي يدفع إسرائيل إلى بثّ تهديداتها بالشكل الذي عبّر عنه ايزنكوت ومسؤولون إسرائيليون آخرون. وما دامت جهوزية إسرائيل العسكرية غير كاملة، كما يؤكد نفر من العسكريين الإسرائيليين، بينهم، وإن بصورة غير مباشرة، ايزنكوت نفسه، فلا يستبعد أن يكون أي كلام تهديدي للبنان أو جهات أخرى، في مرحلة العجز العملي عن تحقيق أهداف أية حرب إسرائيلية مستقبلاً، خارج الكلام الذي يراد به الردع ومنع مسبّبات حرب لا تريدها تل أبيب في هذه المرحلة.

يتزامن ذلك مع كلام وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في أكثر من مناسبة، إذ رأى أن لا مصلحة للدولة العبرية في خوض حروب، وأنه يجب «منع الحرب، وإلا فالعمل على تأجيلها قدر المستطاع».

من الأسئلة التي تخطر في إطار تقدير إمكان إقدام إسرائيل على الحرب ضد لبنان، أو تنفيذ تهديداتها ضد المدنيين اللبنانيين، والتي بطبيعتها ستجرّ إلى حرب: هل لدى إسرائيل القدرة الميدانية على تفعيل سلاحها البري باتجاه تحقيق النصر، بعدما ثبت عدم نجاعة نظرية «التأثيرات»؟ هل يمكن إسرائيل أن توفّق بين النصر الحاسم والسريع ودخول بريّ مقدّر أن يكون محفوفاً بالأخطار؟ هل يمكن إسرائيل أن تخوض حرباً جديدة ـــــ بعد حرب تموز 2006 ـــــ دون تأمين جبهتها الداخلية، في الحد الأدنى المطلوب؟ وقبل أي شيء، كيف ستتعامل إسرائيل مع حافزية المقاتل من حزب الله، المشبع بروح الانتصار بعد الحرب الأخيرة، بينما يعاني الجندي الإسرائيلي إحباطات انكسار غير مسبوق، ما زال يؤثر على روحه المعنوي وعلى أدائه؟