وقائع اليوم: المقاومة باقية وسلاحها محفوظ

مشاركة:

لا حاجة لانتظار البيان الوزاري الجديد للحكومة الجديدة. وليس في هذا الكلام أي رغبة في تجاوز الإطار العام الذي سيحكم العلاقات السياسية بين القوى كافة. لكن ميزان القوى لطالما كان من يتحكم بالأمر.

إذ إن الحكومة السابقة، كانت ببيان وزاري مناسب لكل القوى، وتحديداً لفريق المقاومة. لكن ميزان القوى الذي قام مباشرة بعد الانتهاء من تأليف الحكومة، أدى إلى العكس. فقد عُزل رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، وعُطّل دوره في التأثير على عمل الحكومة.وسارع فريق 14 آذار إلى اعتماد سياسة خارجية لا تتوافق تماماً مع البيان الوزاري. فكان الانضمام الكامل إلى المشروع الأميركي، وخوض معركة ضد سوريا، ليس بوصفها خصماً لهذا الفريق فحسب، بل لكونها تواصل الدعم للمقاومة. ثم أطلقت سلسلة من المواقف التي تصبّ في خانة أعداء المقاومة، وفي سياق الرغبة بتعطيلها وظيفة ودوراً، وحتى وجوداً. وهذا ما جعل العماد ميشال عون يقول عقب الانتخابات النيابية التي جرت على أساس التحالف الرباعي، إن حزب الله ارتكب الخطأ الاستراتيجي الذي ستظهر نتائجه في وقت لاحق. ثم عاد عون وأوضح أن مشكلة الفريق الحاكم، أنه تعهد بأمرين متناقضين ولجهتين متناقضتين، وهو لا يملك القدرة على الوفاء بأي منهما، وتابع: قال الفريق الحاكم لحزب الله إنه سيحمي سلاحه ومقاومته، وفي الوقت نفسه كان يقول للغرب وللولايات المتحدة تحديداً، إنه سيعمل على نزع سلاح المقاومة. وفي خلال فترة قصيرة اعترف الفريق الحاكم بأنه غير قادر على الالتزام بأي من تعهداته، ولكنه أخذ جانب الولايات المتحدة، وقال لها صراحة إنه غير قادر على إنهاء حالة المقاومة، فكان القرار الأميركي ــــ الإسرائيلي بحرب تموز عام 2006. وعندما خرجت المقاومة من هذه الحرب منتصرة، كان على الفريق الحاكم أن يقوم بما يُفترض به القيام به، وتحت ضغط جدي من الغرب، وانطلقت الحملة السياسية الداخلية على المقاومة.

وفي هذا السياق، بدا فريق 14 آذار غير مكترث بالبيان الوزاري، ولا بأيّ مما يرد فيه بشأن المقاومة ودورها ووظيفتها. وصار الكلام مجرد حبر على ورق. واستمر الأمر على هذه الحال برغم استقالة ثلث الحكومة، وبرغم الاحتجاج الشعبي الكبير، الذي لم يعد مقتصراً على حزب الله بل انضمّ إليه فريق يمثل الغالبية المسيحية، وشريحة لا يقل تمثيلها عن ثلث السنّة والدروز، ومع ذلك فقد «صمد» الرئيس فؤاد السنيورة، فيما كانت الآلة السياسية والإعلامية والدبلوماسية لهذا الفريق تواصل حملتها متجاوزة الضغوط. وكلما دعيت الحكومة إلى الاستقالة كان السنيورة يجيب بأنه يستقيل إذا سحب المجلس النيابي الثقة منه، وأنه مستمر باستمرار الثقة. وفي هذه الحالة، كان السنيورة يتناسى أن الثقة التي نالتها الحكومة جاءت على أساس البيان الوزاري نفسه، وهو البيان الذي يمنح المقاومة شرعية في الوجود والدور والوظيفة. ومع ذلك، فإن السنيورة وفريق 14 آذار كانا يستندان إلى ميزان قوى داخلي وإقليمي ودولي، يجعل السنيورة يضع البيان الوزاري في درجه، ولا يلجأ إليه البتة عند اتخاذ أي موقف من المسألة المتصلة بالمقاومة.

الآن، وبعد كل الذي حصل، من تراجع المشروع الأميركي في المنطقة، والتعديل القائم في موقف أوروبا، والانحسار الكبير في نفوذ «عرب أميركا»، مروراً بالتطورات المحلية التي جعلت فريق 14 آذار في حالة تشرذم ليس متوقعاً لها التوقف، وصولاً إلى الدور التاريخي الذي انتزعته المقاومة في مجالات عدة، ولا سيما بعد الإنجاز الضخم الذي تحقق الأسبوع الماضي، فإن في هذا الفريق من يريد إدارة ظهره لكل التطورات، والتصرّف بادّعاء غير مسبوق، والعمل لأجل إنتاج خطاب يُثبَّت في البيان الوزاري، يهدف إلى القول إن المقاومة ليست محل إجماع وطني، وإنها يجب أن تخضع لآليات من النوع الذي يعتقد أصحاب هذا المنطق أنه يحقق ما فشلت كل التجارب السابقة العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية في فرضه.

ومع أن في قوى الغالبية النيابية من يريد التعامل مع الأمر بواقعية تأخذ بعين الاعتبار كل ما حصل، فإن المقاومة نفسها لا تريد تحويل النقاش الوزاري بشأن دورها إلى نقطة خلاف تؤدي إلى مزيد من الانفجارات السياسية، والمقاومة تقول صراحة إنها صاحبة مصلحة في التهدئة، وفي تقليص دوائر التوتر القائمة في البلاد، وهي تدرك بعقل أن تطبيع العلاقات بينها وبين جميع القوى من شأنه المساعدة على توفير أرضية تعيد النقاش إلى دوائره البعيدة عن الانفعالات، وهي لا تخشى موقفاً رافضاً لها أو معارضاً أو مسائلاً، إذا انطلق من حسابات سياسية، لا أن تُربط هذه المواقف بحالة غرائزية ذات أبعاد طائفية ومذهبية وخلافه.

وعليه، فإن النقاش القائم حالياً داخل اللجنة الوزارية الخاصة بالبيان الوزاري، ومهما انتهت إليه من خلاصات، فهي غير قادرة على فرض وقائع مختلفة عن تلك التي أدّت إلى التسوية التي أتت بالرئيس ميشال سليمان وبالحكومة، يدفع إلى القول، من دون تحدٍّ أو استفزاز، إن ميزان القوى يعني، حتى إشعار آخر: ما دامت إسرائيل موجودة فالمقاومة موجودة… والله أعلم!