
مشاركة:
ثمة في إسرائيل، وبنظرة إلى الوراء، من يؤمن أن عملية تبادل الأسرى التي جرت بعد أكثر من عامين على حرب لبنان الثانية مع حزب الله، كان ينبغي أن تبرم قبل يوم من الحرب وليس بعدها.
فقد كانت حرب لبنان الثانية في نظرهم تعبيراً عن ضجر الإسرائيليين من قواعد اللعبة التي استجدت عليهم إثر الانسحاب أحادي الجانب من الجنوب اللبناني في العام ٢٠٠٠ واستخفافاً بالعدو أكثر مما كانت فعلا مدروسا لتغيير قواعد اللعبة. وأمل هؤلاء، على الأقل، في الأيام الأولى للحرب أن تتغلب فوارق القوة على ضعف التحضيرات والدراسات، ولكن النتائج جاءت مغايرة للتوقعات.
وقد أشار عوزي بنزيمان في »هآرتس« إلى أن »اولمرت والحكومة التي يرأسها تسببوا قبل عامين بالفصل الذي سينتهي اليوم على حدود اسرائيل ـ لبنان. حكومة الثاني عشر من تموز ٢٠٠٦ كانت تمتلك سيناريوهات عدة مكتوبة للرد وتفاصيل عمليات محددة وتدريبات ومناورات مسبقة واضحة وحتى قرارات سابقة تضع امامها قاعدة المعطيات المطلوبة لاتخاذ قراراتها ازاء عدوانية حزب الله واستفزازاته. ولكن هذه البنية التحتية التنظيمية والادارية ليست كافية في ادارة شؤون الدولة: هناك حاجة ايضا الى خصائص ومزايا شخصية مثل التجربة والبصيرة وبرودة الأعصاب والقدرة على توقع المستقبل«. وهو ما افتقرت إليه حكومة شنت الحرب.
فالحرب لم تكن دمارا وقتلا ودماء في اتجاه واحد بل كانت في اتجاهين. وقد أحدثت الحرب على الأقل في نظر الإسرائيليين »تعادلا« قاتلا يمكن أن يحمل عواقب استراتيجية فيما إذا تفشى خارج بقعة الجنوب اللبناني. ولكن ما زاد الطين بلة لديهم ذلك الاعتقاد المتعاظم بأن القيادتين السياسية والعسكرية، ومن منطلق الغطرسة، آمنت بأنها اتخذت كل الاحتياطات وأتمت كل الدراسات وخرجت للحرب بقرار بارد.
وقد دفع هذا الواقع الدكتور حنة سفران للكتابة مؤخراً في »يديعوت أحرنوت« عن »صعوبة فهم كيف أن دولة شبه كاملة وزعامتها لم يعرفا ما يعرفه كل طفل وكل دبلوماسي مبتدئ: أولا ينبغي استنفاد كل السبل لتحقيق الهدف. وفقط بعد أن نقتنع أننا استنفدنا تماما كل السبل الدبلوماسية، حينها، كما تقول نظرية الحرب، نخرج للحرب«.
وأشارت إلى أن إسرائيل لم تحاول حتى استغلال الدبلوماسية لتأجيل الحرب ولتوفير فرصة لإبعاد المسنين والمرضى عن ميدان المعركة. بل أن إسرائيل التي شنت الحرب باسم استعادة »المخطوفين« لم تهتم أصلاً بهما، ولم تحاول في البدء استعادتهما بطريق التفاوض. والواقع أن التفاوض لم يكن في بال الحكومة التي أعلن رئيسها أنه لن يخضع للابتزاز، ولن يسمح ببقاء إسرائيل رهينة بأيدي الخاطفين.
ويشدد المعلق عوفر شيلح في »معاريف« على أن مصير الجنديين الإسرائيليين لم يكن ذا قيمة في قرار الحرب ومجرياتها. »فمصير غولدفاسر وريغف كان بلا معنى في منظومة القرارات واللاقرارات التي دفعت باسرائيل نحو الحرب. خلال المداولات الكثيرة في ذلك اليوم لم يطرح تقريباً تساؤل حول كونهما حيين ام ميتين. سلسلة الخطوات وردود الافعال الإسرائيلية لم ترتبط بهذه المسألة بتاتاً«.
فكل ما اهتمت به إسرائيل جيشاً وحكومة هو »استئناف عملية الردع« و »اعادة رسم الخط الازرق« والوعود بأن ما كان لن يتكرر. وهذا ما دفع إلى انتهاج استراتيجية الرد غير المتساوق والذي لخصه معتدلون إسرائيليون حاججوا بوجوب الرد بمئة قنبلة على كل طلقة.
ولكن التأييد الواسع للحرب لم يمنع أحدا من المؤيدين لها من انتقادها بشدة حال ظهور نتائجها الكارثية على قدرة إسرائيل الردعية. واندفع أحد مؤيديها إيال مجيد في »معاريف« لاعتبار يوم التبادل يوما أشوه »يغلق دائرة السخافة التي بدأت في الخروج الى حرب ترمي، كما نذكر، الى »اعادة الابناء الى الديار«. هذا يوم بائس، مثير للاكتئاب. يوم آخر في التاريخ الاسرائيلي الطويل من انعدام المسؤولية وغياب التفكير واللذين يظهران على الملأ صبح مساء باشراف اولئك الذين يدعون بانهم مسؤولون عن سلامة وأمن الدولة«.
والحرب، كما صفقة التبادل، وكذا قضية رون أراد هي محطات في نظر العديد من الكتاب الإسرائيليين في طريق فك ارتباط الجمهور بالقيادتين السياسية والعسكرية. وليس صدفة أن تحمل إحدى أكبر الصحف في إسرائيل يوم التبادل عنوان »هزيمة الغرور«. وهو ما يدفع عوفر شيلح إلى توصيف الحال القائم على النحو التالي: »الجمهور التعب وخائب الامل، الذي يريد ان يلقي بالحرب من ورائه، ليس فقط بسبب ما جرى فيها بل وأيضاً بسبب فشلنا في أن نحمل رئيس الوزراء على أن يدفع الثمن، يؤيد الصفقة. والحكومة، التي خانت مهمتها في اثناء الحرب، لم تعد تسأل ماذا تحتاج الدولة، بل ماذا يريد الجمهور. حكم مقود وليــس قائـداً، هذا أيضا فك ارتباط«.
ولكن هذا لم يمنع عددا من القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل إلى التلهي بوجوب خلق قواعد جديدة لتبادل الأسرى. وتتشكل لجان وتتفرع عنها لجان، ولكن شيئاً لن يتغير، لأن التغيير الحقيقي هو ما ينبغي أن يحدث في السياسة العليا وليس في التفاصيل. يصعب الإقناع أن بوسع إسرائيل الاحتفاظ إلى الأبد بتفوقها النوعي أو بقدرتها على إملاء إرادتها على الآخرين.
ثمة أوجه شبه بين عملية ميدون العام ١٩٨٨ وحرب لبنان الثانية. في الحالتين كانت حرب إبادة، ولكن النتيجة كانت صاعقة: المطلوب إبادته خرج من المعركة أقوى.