ألم يتعب خصوم عون بعد؟

مشاركة:

عجيب أمر كثير من القوى السياسية النافذة داخلياً وعربياً ودولياً. فكلما انهار مدماك في بناء 14 آذار، ازداد الهجوم على التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون. وكلما أصيب المشروع الأميركي بأدواته اللبنانية بضربة،

اشتدّت الحملة على العماد عون وعلى الآخرين من حلفائه المسيحيين، وفي مقدمهم النائب سليمان فرنجية. وهذه اللعبة يشارك فيها أقطاب من بقية "ثورة الرز" ومن لا يزال يعمل في ماكينة إعلامية قليلة الفاعلية، وتشارك فيها أجهزة أمنية لبنانية وعربية ودولية، وسفارات ووزارات خارجية، ومؤسسات المجتمع المدني بكل أطيافه المملوكة لـ"جمعية جيفري فيلتمان الخيرية".وكلمة السر هي هي: "اضربوا عون لكمة قوية يصرخ حسن نصر الله من الوجع".

أي مراجعة سريعة لـ5 سنوات من العمل السياسي الجبار الذي أتيح فيه لفريق 14 آذار بأجنحته الطائفية على اختلافها كل أنواع الدعم من كل العالم، لم تنفع هؤلاء في تثبيت مواقع بدت عائمة على موج. ومن يرصد صورتهم اليوم، يرَ صورة كوادرهم وقياداتهم الزاحفة نحو ريف دمشق تطلب الصفح والرضى:

أولاً: في أيار عام 2005، قال عون إن خروج الجيش السوري من لبنان يتيح للبلدين العمل على بناء علاقات متوازنة لا عداء فيها ولا تآمر، وفيها القدر الأكبر من التعاون. ودعا الجميع إلى نبذ الأحقاد وإلى العمل على تقديم أولوية لبنان على أي أولويات أخرى. وفي تلك الفترة، كان أقطاب "ثورة الرز" يشربون كأس النبيذ كسلفة على احتفال قريب بسقوط النظام في سوريا. وكان هؤلاء ينعتون عون بالخائن، وإذا بهم اليوم، باستثناء البطريرك الماروني نصر الله صفير، يسعون إلى بناء علاقات خاصة مع سوريا.

ثانياً: في صيف عام 2005، حذر العماد عون وتياره من لعبة الاستئثار بالسلطة، وكان تحذيره يخصّ من قرر وراثة المارونية السياسية بكرسي يتّكئ على رجل ونصف رجل، وكان يخصّ أيضاً من توهّم أن في مقدوره بناء شراكة مع هؤلاء، ولذلك كان في الانتخابات خصماً لكل قوى التحالف الرباعي. وهو قال يوم فوز هذا التحالف في الانتخابات، إن حزب الله ارتكب الخطأ الاستراتيجي الذي سيدفع ثمنه قريباً، ولم يطل الزمن حتى اكتشف حزب الله أن لا مجال للشراكة مع هؤلاء، ثم ليكتشف تآمر هؤلاء في حرب تموز عام 2006.

ثالثاً: في شباط 2006، وقّع العماد عون مع حزب الله على وثيقة تفاهم تجعل المقاومة جزءاً حقيقياً من الدولة المنشودة، وقدّم مقاربة واقعية ووطنية لسلاح المقاومة، ومقترحات حلول لكل العناوين الخلافية، من العلاقات مع سوريا إلى الملف الفلسطيني إلى عملية بناء الدولة. وبعدما اتُّهم بأنه باع المسيح، عاد أرباب "ثورة الرز" ليقرأوا بنود تفاهمه مع حزب الله في كل مقدّمات كلامه عن المقاومة وعن العلاقة مع سوريا وعن حقوق الفلسطينيين، ولو أنهم لا يزالون يكذبون في ملف التوطين.

رابعاً: في أيار 2008، قال العماد عون إن المواجهات الأهلية كانت نتيجة طبيعية لسياسة الاستئثار التي اعتمدها فريق "السنّية السياسية"، مدعوماً من دول عربية وغربية كبرى. ثم جاءت الانتخابات الرئاسية لتظهر عون قادراً، طوعاً ولو بغير رغبة، على الإمساك بزمام المبادرة، فيقبل بتعيين قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وينتقل إلى العمل الحكومي رغم اقتناعه بأن الإصلاح لا يستوي مع جيش الفاسدين.

خامساً: في الانتخابات النيابية الأخيرة، لم يتراجع عون قيد أنملة عن خطابه السياسي التوافقي، وتصدّى لحملة هي الأعتى ضده بمشاركة كل العالم، ونجح في تثبيت زعامته المسيحية وفي تعزيز حضوره الشعبي الحقيقي لدى مجموعات كبيرة من اللبنانيين، فيما كان خصومه المسيحيون يسعون إلى أن يأخذهم سعد الحريري أو وليد جنبلاط ركاباً في مقطوراتهم الطائفية.

سادساً: في الانتخابات البلدية، اختفى غالبية مسيحيي 14 آذار خلف "الشعار ـــــ الحيلة"، وهو أن العائلات هي من يقرّر، ومع ذلك فشلوا في استقطاب غالبية. ومن عدّوهم أنصارهم، لأنهم خاصموا العماد عون في الانتخابات، ظهروا في الآونة الأخيرة أقرب إلى عون من أي أحد آخر، فكانت الحيلة الجديدة : "ليس لنا سوى رئاسة الجمهورية نختبئ خلفها"!

وبينما يمكن أي مراقب أو معني اليوم التدقيق في حراجة موقف كل هذا الفريق، فإن الأمر الأكثر فجاجة هو عدم قدرة هؤلاء على مناقشة سيدهم، سواء الموجود هنا في بيروت، أو الموجود في عواصم بعيدة وبعيدة جداً، وتراهم يلتزمون بالأوامر. فأمر العمليات القاضي بمنع التعرّض لسوريا، يلتزمه هؤلاء دون نقاش، بينما يستفيدون من فترة سماح "لفشّ خلقهم" بالهجوم على حزب الله. ومتى اقترب سعد الحريري من الحقيقة الأقسى في ملف المقاومة، سيجد هؤلاء أنفسهم، إما خارج اللعبة نهائياً وإما في زوايا الأديرة يستعجلون ظهور المسيح مجدّداً.

ومع ذلك، يخرج علينا من يقول إن عون يعاني من أزمة شعبية، وإنه مضطر إلى أن يخرج إلى الجمهور لاستمالته، وهم يبنون لأنفسهم قصور الرمل، معتقدين أنها حقيقة مثل حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري… ويخرج معهم دبلوماسيون عرب وأجانب من أتباع المحور نفسه، يتحدثون عن نموّ 14 آذار بين الناس على اختلافهم، حتى يتبيّن أنه النموّ نفسه الذي رافق "المسيرة الربيعية" لمشروع الحريري التي انطلقت قبل 18 عاماً ولا تزال تنهش فينا، وهي تعدنا بالأفضل.