
مشاركة:
حديث الحرب رائج. إسرائيل تستعد، إيران ترد، واشنطن تتريث، واللبنانيون في منزلة بين المنزلتين: فريق يستبعدها ولا يلغيها، وفريق يحدد لها مواعيد، أقربها إلى المنطق: بعيد صدور القرار الظني واتهام عناصر من حزب الله.
حديث الحرب في الخليج، ضد ايران، بسبب برنامجها النووي، لم يفتر. المنازلة بين محور «الممانعة» ومحور «الاعتدال»، تدور بعيداً عن التخوم الإيرانية. بعض فصولها في العراق، بعضها الآخر في فيينا، والكثير منها، في الأقنية السرية، بين العواصم العربية ومراكز القرار الدولي والإسرائيلي.
منصة أخرى تضاف إلى هذه المنازلة في لبنان. لا طاقة ولا حجة ولا آلية لدرء خطر الحرب. ولكل حجته: إسرائيل تريد رأس حزب الله، لن توفر مناسبة، ستقتنص الفرص كلها إذا سنحت، ستوفر الأرضية للفرص المقبلة، ستكتب أو تملي، إعلاميا، ضمن امبراطورية إعلامها المنتشر في العالم، قراراً ظنياً يطال رأس المقاومة، ممثّلاً بقائدها السيد حسن نصر الله. ستضخ إعلاماً يطحن صورة المقاومة، ليظهرها «إرهابا»، يمارس القتل والاغتيال والخطف… ملفات التحريض جاهزة، أسلحة الإعلام، ترسانة من التقارير والتلفيقات، والعالم الغربي جاهز ليصدقها، والعالم العربي يؤهل نفسه للتبشير بها، على المستوى الرسمي، في أقل تعديل.
بعدها، من يضمن أن لا تفتعل إسرائيل حادثة، تكرر فيها حرب تموز، بقتال مختلف، واستراتيجية محددة، تهدف إلى تدمير حزب الله، وإخراج سوريا من المعادلة، وهزيمة إيران في خطوطها الأمامية.
هنا، في لبنان، الحوار مختلف. القول باستبعاد الفتنة، فيما خارطة الطريق إلى السلام الأهلي تمر بأرض مزروعة بألغام الانتقام من السابع من أيار، واستكمال عدة حرب تموز، عبر تبرئة المحكمة من الانحياز، ولا علاقة للبنانيين بمحكمة دولية مستقلة… لكنها تشهر سيف الفصل السابع فوق الرؤوس.
فريق ينتظر القرار المنتظر. وفريق يحاول إسقاط القرار، بسلاح لم يكتشفه بعد. إذ، لا يسقط القرار بالكلام، بل بما لم نصل إليه من وسائل.
وللقرار الظني شبهة التلفيق. المحكمة الدولية متهمة وعليها إثبات براءتها. لوثة السياسة تتعقبها. ميليس دشنها وبلمار لم يفلح في تبديدها، بعد إصراره على تجهيل شهود الزور، عبر الامتناع عن تسليم التحقيقات المزورة.
سيرة المحكمة التي تم تسليمها من قبل الحكومة الأسبق، في ليلة كالحة النوايا، «للمجتمع الدولي» المنحاز، صوّبت على دمشق ونالت سوريا نصيبها من الاعتداء ودفعته انسحاباً من لبنان. حزب الله نال نصيبه ولن يدفعه. سوريا كانت يومها في لبنان، كانت عندنا.. حزب الله مقيم عنده، وإقامته راسخة، بكلفة الشهادة وبوثيقة الدماء وببراءة الجدارة.. حزب الله يقيم في بيئة هي بيته وعقيدته وشعبه، تؤهله ليكون عاصياً وعصياً، وليس سهلاً على قوة اختراق قوته. انه صائب ويصيب.
صمت المحكمة لا يبرئها، ولا يخفي تسييسها. تحييد المحكمة واعتبارها فوق الشبهات، لدى بعض اللبنانيين، هو تعبير عما تشتهيه النفوس من اتهام للحزب. استمرار القصف الإسرائيلي بالقرار الظني، يضع الجميع أمام السؤال التالي: من يحمي لبنان من الفتنة، أو هل المطلوب حماية المحكمة من الاتهام، ولو ذاق لبنان طعم التهمة المر، كما ذاقت سوريا والضباط الأربعة؟
إذا امتنع الجواب «فلنشعل حروبا صغيرة». حروب بالكلمات، تستولد حروبا أخرى متعددة. قد لا تحتاج إسرائيل إلى توغل قواتها لغزو لبنان. ستتركه رهينة هواجسه وأحقاده. ستتركه فريسة خوفه، وستحرضه على تأهيل الحلبة، للرقص الدامي، فيما العالم الغربي مطمئن إلى سلامة إسرائيل وحراجة الوضع اللبناني، المنشغل بالتهمة، دفعاً من فريق، وقبولاً من فريق.
إذا اهترأ الوضع في لبنان، فلن تكون إسرائيل غبية، لدرجة الامتناع عن توجيه الضربة القاضية… لإيران وسوريا وحزب الله، في لبنان. وإذا ضعفت المقاومة، لا سمح الله، فإن إسرائيل تصير طليقة اليد لتوجيه سلاحها، بيسر أكثر، لإخضاع سوريا لمستلزمات السلام، اقتداءً بالاعتدال العربي، ولتوجيه ضربتها لإيران، مطمئنة إلى أن جبهتها الشمالية في حال من الشلل.
هذا وجه من وجوه المواجهة.
غير أن حزب الله، لم ينتظر ولن ينتظر، أن يبادر القرار الظني إلى التنفيذ. لديه القدرة على الحسم. قبضته هي الكلمة الفصل، ولن يتورع عن رفعها، كما فعل في السابع من أيار. شعار لا مساس بالمقاومة، يدافع عنه بالسياسة والحجة… وبالسلاح إذا لزم الأمر. وقد يخرج أقوى مما كان، برغم الأخطار المستولدة والمستوردة. يحتاج حزب الله، في استراتيجيته لإسقاط القرار الظني، وإثبات انحياز المحكمة الدولية، إلى أكثر من نفي تورط عناصر تابعة له بالاغتيال. النفي مفيد ولكنه غير كاف… فهل لدى الحزب رواية أخرى؟ أليس لدى أجهزته الأمنية معلومات عن عملية الاغتيال؟ أليس لديها ملفات عن كيفية إجراء التحقيقات، والطرق الملتوية التي سلكها؟ أليس لديها ملفات حول إدارة الاتهامات؟
لا يواجه التزوير بالنفي، بل بالحقائق. فليسفر الحزب عما لديه. ليكشف أوراقه وأوراق الآخرين. الحبل يعقد حول عنقه، وليس هناك من هو قادر أو مستعد لفك الأنشوطة. سيقال سراً، فليبق الحبل معلقاً فوق رأس الحزب إلى ما شاء ربك.
من يحارب إيران في الخليج والعراق، ليس من مصلحته أن يريحها في لبنان، ومن ينتظر تأديب سوريا على سلوكها السياسي، ليس يهتم أبداً بتخليص حليفه الاستراتيجي.
لا ينقذ حزب الله غير حزب الله. إما بقوة الإقناع بما يملكه من حقائق، وإما بإقناع الآخرين بقوته. وفي الحالين، نحن أمام حروب صغيرة، قد نشعلها بأيدينا.